فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (18):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [18].
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} أي: مختصة به {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} أي: فلا تعبدوا فيها غيره. تعريض بما كان عليه المشركون من عبادتهم غيره تعالى بمسجده الحرام، ونصبهم في التماثيل والأنصاب، وبما عليه أهل الكتاب، فإن المساجد لم تُشَدْ إلا ليذكر فيها اسمه تعالى وحده. ومن هنا ذهبت الحنابلة إلى أنه لا يجتمع في دين الله مسجد وقبر، وأن أيهما طرأ على الآخر وجب هدمُه.

.تفسير الآية رقم (19):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [19].
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، {يَدْعُوهُ} أي: يعبد ربه، {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} أي: جماعات بعضها فوق بعض، تعجباً مما رأوه من عبادته، واقتداء أصحابه به، وإعجاباً بما تلا من القرآن، لأنهم رأوا ما لم يروا مثله، وسمعوا بما لم يسمعوا بنظيره. فالضمير في {كَادُوا} للجن، وقد بيّن ذلك حديث البخاري كما تقدم. وجوّز رجوعه للمشركين بمكة. والمعنى: لما قام رسولاً يعبد الله وحده، مخالفاً للمشركين في عبادتهم الآلهة من دونه، كاد المشركون لتظاهرهم عليه، وتعاونهم على عداوته، يزدحمون عليه متراكمين- حكاه الزمخشري- ثم قال: {لِبَداً} جمع لبدة، وهو ما تلبد بعضه على بعض، ومنها لبدة الأسد.

.تفسير الآيات (20- 21):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً} [20- 21].
{قُلُ} وقرئ قال {إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} أي: أعبده، وأبتهل إليه وحده، {وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} أي: فليس ذلك ببدع ولا منكر يوجب تعجبكم، أو إطباقكم على مقتي.
{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً} أي: لأن ذلك لله تعالى، وحده، فلا تستعجلوني بالعذاب.
قال الشهاب في توضيح ما للقاضي هنا: إما أن يراد بالرشد النفع، تعبيراً باسم السبب عن المسبب، أو يراد بالضرّ الغيّ، تعبيراً باسم المسبب عن السبب. ويجوز أن يجرد من كل منهما ما ذكر في الآخر، فيكون احتباكاً. والتقدير: لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، ولا غيّاً ولارشداً.

.تفسير الآيات (22- 24):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} [22- 24].
{قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} أي: إن أراد بي سوءاً {وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} أي: ملتجأ إن أهلكني. وأصله: المدخل من اللحد.
وقوله: {إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} استثناء من قوله: {لا أَمْلِكُ} فإن التبليغ إرشاد ونفع. فهو متصل، وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة، أي: لا أملك إلا التبليغ والرسالات، من معاني الوحي، وأحكام الحق.
{وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ} أي: فلم يسمع ما جاء به، ولم يقبل ما يبلغه {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} أي: في الرسالات الإلهية، من الظهور عليهم والفتح، أو العذاب الأخروي.
{فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} أي: أجند الرحمن أو إخوان الشياطين.

.تفسير الآيات (25- 27):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} [25- 27].
{قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً} أي: غاية تطول مدتها.
{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} أي: حرساً من الملائكة يحفظونه من تخاليط الشياطين ووساوسهم، حتى يبلغ ما أمر به من غيبه ووحيه.
قال القاشاني: {رَصَداً} أي: حفظة إما من جهة الله التي إليها وجهه، فروح القدس والأنوار الملكوتية والربانية. وإما من جهة البدن، فالملكات الفاضلة والهيئات النورية الحاصلة من هياكل الطاعات والعبادات، يحفظونه من تخبيط الجن، وخلط كلامهم من الوساوس والأوهام والخيالات، بمعارفها اليقينية، ومعانيها القدسية، والواردات الغيبية، والكشوف الحقيقية. انتهى.
تنبيه:
قال الزمخشري: يعني أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي هو مصطفى للنبوة خاصة، لا كل مرتضى.
قال: وفي هذا إبطال للكرامات؛ لأن الذين تضاف إليهم، وإن كانوا أولياء مرتضين، فليسوا برسل، وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب، وإبطال الكهانة والتنجيم، لأن أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط. انتهى.
وأجاب أبو السعود بأن معنى الآية: فلا يطِلع على غيبه اطلاعاً كاملاً ينكشف به جلية الحال انكشافاً تاماً موجباً لعين اليقين، أحداً من خلقه، إلا من ارتضى من رسول. أي: إلا رسولاً ارتضاه لإظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته، كما يعرب عنه بيان {مَنِ ارْتَضَى} بالرسول تعلقاً تاماً، إما لكونه من مبادئ رسالته بأن يكون معجزة دالة على صحتها، وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعامة التكاليف الشرعية التي أمِر بها المكلفون، وكيفيات أعمالهم، وأجزيتها المترتبة عليها في الآخرة، وما تتوقف هي عليه من أحوال الآخرة التي من جملتها قيام الساعة والبعث، وغير ذلك من الأمور الغيبية التي بيانها من وظائف الرسالة. وأما ما لا يتعلق بها على أحد الوجهين من الغيوب التي من جملتها قيام الساعة، فلا يظهر عليه أحداً أبداً، على أن بيان وقته مُخِلٌّ بالحكمة التشريعية التي عليها يدور فلك الرسالة، وليس فيه ما يدل على نفي كرامات الأولياء المتعلقة بالكشف، فإن اختصاص الغاية القاصية من مراتب الكشف بالرسل، لا يستلزم عدم حصول مرتبة ما من تلك المراتب لغيرهم أصلاً، ولا يدعي أحد لأحد من الأولياء ما في رتبة الرسل عليهم السلام من الكشف الكامل الحاصل بالوحي الصريح. انتهى.
وملخصه تقييد الغيب بما هو معجزة أو من وظائف الرسالة. وهكذا نحا النسفي في الجواب، مع بيان الفارق وعبارته: أي: إلا رسولاً قد ارتضاه لعلم بعض الغيب، ليكون إخباره عن الغيب معجزة له، فإنه يطلعه على غيبه ما شاء: و{مِن رَّسُولٍ} بيان {مَنِ ارْتَضَى} والولي إذا أخبر بشيء فظهر، فهو غير جازم عليه، ولكنه أخبر بناء على رؤياه، أو بالفراسة. على أن كل كرامة للوليّ فهي معجزة للرسول. انتهى.
وقال الرازي: وعندي أن الآية لا دلالة فيها على شيء مما قالوه- يعني الزمخشري ومن تابعه- والذي تدل عليه أن قوله {عَلَى غَيْبِهِ} ليس فيه صيغة عموم، فيكفي في العمل بمقتضاه أن لا يظهر تعالى خلقه على غيب واحد من غيوبه، فنحمله على وقت وقوع القيامة، فيكون المراد من الآية أنه تعالى لا يظهر هذا الغيب لأحد، فلا يبقى في الآية دلالة على أنه لا يظهر شيئاً من الغيوب لأحد.
قال: والذي يؤكد هذا التأويل أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية عقب قوله:
{إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً} يعني: لا أدري وقت وقوع القيامة، ثم قال بعده: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} أي: وقت وقوع القيامة من الغيب الذي لا يظهره الله لأحد. وبالجملة فقوله: {عَلَى غَيْبِهِ} لفظ مفرد مضاف، فيكفي في العمل به حمله على غيب واحد. فأما العموم فليس في اللفظ دلالة عليه.
فإن قيل: فإذا حملتم ذلك على القيامة، فكيف قال: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} مع أنه لا يظهر هذا الغيب لأحد من رسله؟
قلنا: بل يظهره عند القرب من إقامة القيامة، وكيف لا وقد قال: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً} [الفرقان: 25]، ولا شك أن الملائكة يعلمون في ذلك الوقت قيام القيامة، وأيضاً يحتمل أن يكون هذا الاستثناء منقطعاً، كأنه قال: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه المخصوص- وهو يوم القيامة- أحداً. ثم قال بعده: لكن من ارتضى من رسول، فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه حفظة يحفظونه من شر مرَدة الإنس والجن؛ لأنه تعالى إنما ذكره هذا الكلام جواباً لسؤال من سأله عن وقت وقوع القيامة على سبيل الاستهزاء به، والاستحقار لدينه ومقالته. وملخصه تخصيص الغيب بوقت وقوع القيامة بدلالة السياق، والرسول بالملك.
وناقشه في العناية بأن المرضي حمل الرسول على المتعارف لدلالة السياق والسياق عليه هذا، ونقل النسفي عن التأويلات ما مثاله:
قال بعضهم: في هذه الآية تكذيب المنجمة، وليس كذلك، فإن فيهم من يصدق خبره، وكذلك المتطببة فإنهم يعرفون طبائع النبات، وهذا لا يعرف بالتأمل، فعلم بأنهم وقفوا على علمه من جهة رسولٍ انقطع أثره، وبقي علمه في الخلق. انتهى.
وهذا الجواب يلجأ إليه المتفقهة زعماً بأن معرفة مواقيت الكسوف، وخواص المفردات مما يشمله علم الغيب. والصواب عدم شموله لمثله؛ لأنه مما يتيسر للناس أن يعرفوه بالنظر والاستدلال والتجربة والبحث، كالعلوم الرياضية والطبيعية والزراعية والصنائع والهيئة الفلكية.
وبالجملة فكل ما يمكن للإنسان أن يصل إليه بنفسه لا يكون من الغيب في شيء، ولذا قال بعض الحكماء: لو كان من وظيفة النبيّ أن يبين العلوم الطبيعية والفلكية، لكان يجب أن تعطل مواهب الحس والعقل، وينزع الاستقلال من الْإِنْسَاْن، ويلزم بأن يتلقى كل فرد من كل شيء بالتسليم ولوجب أن يكون عدد الرسل في كل أمة كافيا لتعليم أفرادها في كل زمن ما يحتاجون إليه من أمور معاشهم ومعادهم. وإن شئت فقل: لوجب أن لا يكون الْإِنْسَاْن هذا النوع الذي نعرفه. نعم، إن الأنبياء ينبهون الناس بالإجمال إلى استعمال حواسهم وعقولهم في كل ما يزيد منافعهم ومعارفهم التي ترتقي بها نفوسهم، ولكن مع وصلها بالتنبيه على ما يقوي الإيمان ويزيد في العبرة، وقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى وجوب استقلالنا دونه في مسائل دنيانا في واقعة تأبير النخل إذ قال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» انتهى. فاحفظه فإنه من المضنون به على غير أهله. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (28):

القول في تأويل قوله تعالى: {لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} [28].
{لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} متعلق بـ: {يَسْلُكْ} غاية له. والضمير إما للرصد، وإما لـ: {مَنِ ارْتَضَى} والجمع باعتبار معنى من، أي: ليبلغوا، فيظهر متعلق علمه. وإيراد علمه تعالى للعناية بأمر الإبلاغ، والإشعار بترتيب الجزاء عليه، والمبالغة في الحث عليه، والتحذير عن التفريط فيه.
{وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِ} أي: بما عند الرصد، أو الرسل عليهم السلام. حال من فاعل {يَسْلُكْ} جيء بها لتحقيق استغنائه تعالى في العلم بالإبلاغ عما ذكر من سلك الرصد.
{وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} أي: فرداً فرداً لسعة علمه. تقرير ثان لإحاطته بما عند الرسل من وحيه وكلامه، ووعد ووعيد كما عرف من نظائره.

.سورة المزمل:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 4):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [1- 4].
{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} أي: المتزمل. من تزمل بثيابه إذا تلفف بها. فأدغم التاء في الزّاي، خوطب صلى الله عليه وسلم بحكاية حاله وقت نزول الوحي، ملاطفة وتأنيساً وتنشيطاً للتشمر لقيام الليل، وقيل: معناه المتحمل أعباء النبوة، من تزمل الزِّمْل، إذا تحمل الحمل، ففيه استعارة، شَّبه إجراء التبليغ بتحمل الحمل الثقيل، بجامع المشقة.
قال الشهاب: وأورد عليه أنه مع صحة المعنى الحقيقي، واعتضاده بالأحاديث الصحيحة، لا وجه لادعاء التجوز فيه.
وقد يجاب بأن الأحاديث رويت في نزول سورة المدثر، لا في هذه السورة، كما سيأتي إن شاء الله، إلا أن يقال: هما بمعنى واحد.
{قُمِ اللَّيْلَ} أي: فيه للصلاة، ودع التزمُّل للهجوع {إِلاَّ قَلِيلاً} أي: بحكم الضرورة للاستراحة، ومصالح البدن التي لا يمكن بقاؤه بدونها.
ثم بيّن تعالى قدر القيام مخيراً له بقوله:
{نِصْفَهُ} أي: نصف الليل بدل من الليل.
{أَوِ انقُصْ مِنْهُ} أي: من النصف {قَلِيلاً} أي: إلى الثلث.
{أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} أي: النصف إلى الثلثين، والمقصود التخيير بين قيام النصف وما فوقه وما دونه. ولا يقال: كيف يكون النصف قليلاً وهو مساوٍ للنصف الآخر؟ لأن القلة بالنسبة إلى الكل، لا إلى عديله.
{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} أي: بيّنه تبييناً، وترسّل فيه ترسلاً.
قال الزمخشري: ترتيل القرآن قراءته على ترسل وتؤده، بتبيين الحرف، وإشباع الحركات، حتى يجيء المتلوّ منه شبيهاً بالثغر المرتل، وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان، وأن لا يهذّه هذّاً، ولا يسرده سرداً.
تنبيه:
قال السيوطي: في الآية استحباب ترتيل القراءة، وأنه أفضل من الهذّ به، وهو واضح.
وقد ثبت في السُّنة أنه صلى الله عليه وسلم «كان يقطع قراءته آية آية، وأنها كانت مفسرة حرفاً حرفاً، وأنه كان يقف على رؤوس الآي».
واستدل بالآية على أن الترتيل والتدبُّر، مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها، لأن المقصود من القرآن فهمه وتدبُّره، والفقه فيه، والعمل به.
قال ابن مسعود: لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هَمّ أحدكم آخر السورة.

.تفسير الآية رقم (5):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [5].
{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} أي: رصيناً، لرزانة لفظه، ومتانة معناه، ورجحانه فيهما على ما عداه.
ولما كان الراجح من شأنه ذلك، تجوّز بالثقيل عنه. أو ثقيلاً على المتأمّل فيه، لافتقاره إلى مزيد تصفيه للسر، وتجريد للنظر. أو ثقيلاً تلقّيه، لقول عائشة رضي الله عنها: رأيته صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، «وإن جبينه ليتفصد عرقاً». وعلى كل فالجملة معللة للأمر بالترتيل، وأن ثقله مما يستدعيه.